فصل: سنة إحدى وسبعين وثمانمائة بيوم الأربعاء ويوافقه عشرون مسرى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 سنة إحدى وسبعين وثمانمائة بيوم الأربعاء ويوافقه عشرون مسرى

فيه أوفى النيل ستة عشر ذراعًا وثلاثة أصابع وفتح الخليج وخلق المقياس الأتابك قانم بإذن السلطان‏.‏

وفي يوم الاثنين سادسه أعيد قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة إلى قضاء الحنفية بعد عزل قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن الدبري‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشره استقر القاضي أبو السعادات البلقيني قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية بعد عزل صهره صلاح الدين المكيني‏.‏

وفي يوم الخميس سابع صفر استقر القاضي كمال الدين محمد ابن الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم ناظر الجيوش المنصورة عوضًا عن القاضي تاج الدين عبد الله بن المقسي وأبقي على ابن المقسي وظيفة نظر الخاص‏.‏

وفيه استقر الأمير زين الدين يحيى أستادارًا على عادته‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشر صفر استقر الأمير يلباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الكبير أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأتابك قانم المؤيدي الآتي ذكره في الوفيات إن شاء الله تعالى‏.‏

وأنعم السلطان بإقطاع يلباي على الأمير بردبك هجين أمير جاندار وأنعم بإقطاع بردبك هجين على الأمير نانق شاد الشراب خاناه‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشرين صفر استقر الشهابي أحمد بن العيني أمير آخور كبيرًا بعد الأتابك يلباي‏.‏

وفيه استقر الأمير خشكلدي البيسقي أحد أمراء العشرات شاد الشراب خاناه بعد نانق المحمدي المقدم ذكره‏.‏

قلت‏:‏ وعلى كل حال خشكلدي أليق لهذه الوظيفة من نانق‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشرينه ورد الخبر بموت الأمير برسباي البجاسي نائب الشام الآتي ذكره في الوفيات‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه رسم السلطان بانتقال الأمير بردبك الظاهري نائب حلب من نيابة حلب إلى نيابة الشام عوضًا عن برسباي البجاسي واستقر نانق الظاهري أحد المقدمين مسفره‏.‏

واستقر في نيابة حلب عوضًا عن بردبك يشبك البجاسي نائب حماة واستقر مسفره الشرفي يحيى بن يشبك الفقيه الدوادار الكبير‏.‏

واستقر تنم الحسيني الأشرفي ثاني رأس نوبة في نيابة حماة عوضًا عن يشبك البجاسي واستقر مسفرة تمر من محمود شاه الظاهري والي القاهرة‏.‏

واستقر الأمير تنبك المعلم الأشرفي عوضه رأس نوبة ثانيًا‏.‏

واستقر الأمير مغلباي مملوك السلطان قديمًا في حسبة القاهرة عوضًا عن خشكلدي‏.‏

وفي يوم الأحد ثامن شهر ربيع الأول عمل السلطان المولد النبوي على العادة وقاسى من حضر المولد من الأجلاب شدائد‏.‏

وفي يوم الاثنين سادس عشر ربيع الأول استقر نانق المحمدي المقم ذكره أمير حاج المحمل واستقر الأمير سيباي الظاهري الأمير آخور الثالث أمير الركب الأول واستقر الأمير دمرداش السيفي تغري بردي البكلمشي نائب قلعة حلب بعد عزل الشيباني‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشرينه ابتدأ السلطان بالحكم بين الناس لا بالإسطبل السلطاني في يومي السبت والثلاثاء على قاعدة ملوك السلف ولم يقع له ذلك من يوم تسلطن لأن سلاطين زماننا هذا صاروا يجلسون بالدكة من الحوش السلطاني بقلعة الجبل ويتعاطون الأحكام بين الناس فلم يحتج الملك مع جلوسه بالحوش إلى النزول بالإسطبل للحكم‏.‏

وكانت قاعدة ملوك السلف ممن أدركنا وسمعنا الاحتجاب عن الناس بالكلية ولم يقدر أحد من المماليك السلطانية أن يدخل الحوش بحاجة أو غير حاجة إلا بقماش الموكب ولا يجتمع أحد بالسلطان بالدهيشة والحوش إلا الخصيصين به لا غير ومن كان له مع السلطان حاجة يجتمع به في القصر السلطاني ليالي المواكب وأيام المواكب فبهذا المقتضى كان يحتاج السلطان إلى النزول إلى الإسطبل السلطاني للحكم بين الناس وإنصاف المظلوم من الظالم ويكون ذلك في الغالب أيام الشتاء وتكون مدة الحكم في يومي السبت والثلاثاء نحو شهرين وقد فهمت الآن معنى قولنا‏:‏ ‏"‏ ولم يحكم السلطان بين الناس من يوم تسلطن ‏"‏ أعني بذلك نزوله إلى الإسطبل أنتهى‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر نزل السلطان إلى رماية البركة لصيد الكراكي وغيرها على العادة وهذا أيضًا أول نزوله إلى الصيد من يوم تسلطن وعاد من يومه وشق القاهرة‏.‏

ثم تكرر من السلطان نزوله إلى الصيد في هذه السنة غيرمرة‏.‏

وفي هذه الأيام كانت واقعة أصباي البواب مع القتيلين اللذين قتلهما وقد حكينا واقعته في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى ثارت المماليك الأجلاب بالقلعة في الأطباق ومنعوا الناس من الطلوع إلى الخدمة السلطانية وطلبوا زيادة جوامك وكسوة وعليق ووقع أمور ثم وقع الأمر على شيء حكيناه بعد وهن في المملكة‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشره استقر القاضي ولي الدين الأسيوطي أحد نواب الحكم قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية بعد شغور القضاء عن أبي السعادات البلقيني أيامًا كثيرة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة استقر جانبك الظاهري أحد الدوادارية الصغار في نيابة قلعة دمشق بعد عزل الصارمي إبراهيم بن بيغوت‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشرين جمادى الآخرة خرج الحاج الرجبي من القاهرة وأميره علان الأشرفي والعمدة في الركب المذكور على القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف لعظمة سار فيها وتجمل زائد إلى الغاية وفعل في هذه السفرة أفعالًا جميلة حكيت عنه وشكرت‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشر رجب أدير المحمل ولعبت الرماحة على العادة‏.‏

واستهل شعبان نذكر فيه نادرة وهي أن أرباب التقويم كانوا اجتمعوا على أن آخر مدة الملك الظاهر خشقدم في السلطنة تكون إلى ثامن عشر شهر رجب من هذه السنة فمضى رجب ولم يحصل للسلطان تكدير ولا نكد مؤلم ولا ضعف لزم منه الفراش ولا نوع من الأنواع المشوشة واستهل شعبان هذا وهو في أحسن حال وأخزى الله ك هؤلاء الكذبة الفسقة المدعين علم الغيب تعالى الله أن يظهر على غيبه إلا من أراد من أصليائه وأوليائه‏.‏

ثم استهل شوال يوم الثلاثاء ففيه أيضًا نكتة نذكرها وهي أنه كان في العام الماضي أول شوال يوم الجمعة فتشاءم الناس بذلك على الملك من وقوع خطبتين في نهار واحد ولم يقع إلا الخير والسلامة فاعتمد على أن هذا الكلام من الهذيان وما أعلم الذي قال ذلك أولًا ما دليله مع أن الخطبة من أعظم السنن ويحصل بها التذكير والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخشوع ورقة القلب فعلى هذا كلما تكررت في اليوم تكرر الخير والبركة والأجر وما أظن قائل هذا أولًا إلا رجلًا منافقًا يكره السنة وإلاقتداء بها انتهى‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع شوال استقر الأمير شرف الدين موسى بن كاتب غريب أستادارًا عوضًا عن الأمير زين الدين يحيى‏.‏

وفي يوم السبت تاسع عشره خرج أمير حاج المحمل بالمحمل وهو نانق الظاهري وسيباي أمير الركب الأول‏.‏

بيوم الأحد ويوافقه تاسع مسرى‏.‏

ففي يوم السبت سابعه الموافق لخامس عشر مسرى أوفى النيل ستة عشر ذراعًا وسبعة أصابع ونزل السلطان الملك الظاهر خشقدم وعدى النيل وخلق المقياس وعاد وفتح خليج السد على العادة‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره ورد الخبر من نائب حلب يشبك البجاسي أن شاه سوار نائب أبلستين خرج عن طاعة السلطان ويريد المشي على البلاد الحلبية فرسم السلطان في الحال بخروج نائب طرابلس ونائب حماة إلى جهة البلاد الحلبية لمعاونة نائب حلب إن حصل أمر‏.‏

ثم عين السلطان تجريدة من مصر إلى جهات البلاد الحلبية إن ألجأت الضرورة إلى سفرهم والذين عينهم في هذه التجريدة من أمراء الألوف‏:‏ الأتابك يلباي وأمير سلاح قرقماس وأمير مجلس تمربغا وقاني بك المحمودي ومغلباي طاز المؤيدي وذكر أنه تعين عدة كبيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات وألف مملوك من المماليك السلطانية‏.‏

هذا والسلطان قد بدأ فيه التوعك من يوم عاشوراء وهذا المرض الذي مات فيه‏.‏

ثم لهج السلطان بعزل يشبك البجاسي نائب حلب وتولية الأمير مغلباي طاز المؤيدي المقدم ذكره عوضه في نيابة حلب‏.‏

ثم في يوم الخميس تاسع عشره ورد الخبر بأن إقامة الحاج التي جهزت من القاهرة أخذت عن آخرها أخذها مبارك شيخ بني عقبة بمن كان معه من العرب وأنه قتل جماعة ممن كان مع الإقامة المذكورة منهم جارقطلو السيفي دولات باي أحد أمراء آخورية السلطان فعظم ذلك على السلطان وزاد توعكه وعلى الناس قاطبة وضر أخذ إقامة الحاج غاية الضرر وأشرف غالبهم على الموت‏.‏

فلما كان يوم الجمعة العشرين من المحرم وصل الحاج الرجبي وعظيم من كان فيه زين الدين بن مزهر كاتب السر المقدم ذكره وأمير حاج الركب الأول سيباي إلى بركة الحاج معًا بعد أن قاست الحجاج أهوالًا وشدائد من عدم الميرة والعلوفة وقلة الظهر ودخل نانق أمير الحاج من الغد‏.‏

فلما كان يوم الاثنين ثالث عشرين المحرم عين السلطان الأمير أزبك رأس نوبة النوب الظاهري والأمير جانبك حاجب الحجاب الأشرفي المعروف بقلقسيز وصحبتهما أربعة من أمراء العشرات وهم دولات باي الأبو بكري المؤيدي وقطلباي الأشرفي وتنبك الأشرفي وتغري بردي الطياري وعدة مماليك من المماليك السلطانية لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة ومن معه من الأعراب وكتب السلطان أيضًا لنائب الكرك الأمير بلاط ونائب غزة الأمير إينال الأشقر بالمسير إلى جهة الأمير أزبك بعقبة أيلة ومساعدته على قتال مبارك المذكور وخرج الأمير أزبك بمن عين معه من القاهرة في يوم الاثنين سابع صفر‏.‏

كل ذلك والسلطان متوعك بالإسهال وهو لا ينقطع عن الخروج إلى الحوش بل يتجلد غاية التجلد حتى إنه عمل الموكب في هذا اليوم بالقصر لأجل خروج الأمير أزبك وهذا آخر موكب عمله الملك الظاهر خشقدم بالقصر السلطاني‏.‏

فلما كان يوم الخميس عاشر صفر أرجف بموته وأشيع ذلك إشاعة خفيفة في ألسنة العوام‏.‏

فلما كان يوم الجمعة حادي عشره خرج السلطان الملك الظاهر خشقدم إلى صلاة الجمعة من باب الحريم ماشيًا على قدميه من غير مساعدة وعليه قماش الموكب الفوقاني والسيف والكلفتاة على العادة وصلى الجمعة وسنتها قائمًا على قدميه هذا وقد أخذ منه المرض الحد المؤلم وهو يستعمل التجلد وإظهار القوة إلى أن فرغت الصلاة وعاد إلى الحريم ماشيًا أيضًا ولكن القاضي الشافعي أسرع في الخطبة والصلاة إلى الغاية حسبما كان أشار إلى السلطان بذلك بحيث إن الخطبة والصلاة كانت على نحو ثلاث درج رمل وبعض دقائق‏.‏

فلما عاد السلطان من الصلاة إلى الحريم سقط مغشيًا عليه لشدة ما ناله من التعب وعظم التجلد‏.‏

وهذه أيضًا آخر جمعة صلاها ولم يخرج بعدها من باب الحريم لا إلى صلاة ولا إلى غيرها وصارت الخدمة بعد ذلك في الحريم بقاعة البيسرية‏.‏

ثم أصبح السلطان في يوم السبت ثاني عشره رسم بالمناداة بشوارع القاهرة بأن أحدًا لا يخرج بعد صلاة المغرب من بيته ولا يفتح سوقي دكانه وهدد من خالف ذلك فلم يلتفت أحد إلى هذه المناداة وعلم أن المقصود من هذه المناداة عدم خروج المماليك في الليل وتوجه بعضهم لبعض لإثارة فتنة‏.‏

وفي هذه الأيام ورد الخبر من دمشق بأن الأمير بردبك نائب الشام خرج من دمشق بعساكرها في آخر المحرم إلى جهة حلب لمعاونة نائب حلب على قتال شاه سوار‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع عشر صفر عمل السلطان الخدمة بقاعة البيسرية من الحريم السلطاني لضعفه عن الخروج إلى قاعة الدهيشة وحضرت الأمراء المقدمون وغيرهم الخدمة السلطانية بالبيسرية ولكن بغير قماش وعلم السلطان على عدة مناشير ومراسيم دون العشرين علامة ولكن ظهر عليه المرض لكنه يتجلد ويقوم لمن دخل إليه من القضاة والعلماء‏.‏

فلما كان يوم الجمعة ثامن عشره لم يشهد فيه صلاة الجمعة وصلت الأمراء بجامع القلعة على العادة‏.‏

وبعد أن فرغت الصلاة دخلوا عليه وسلموا عليه واستوحشوا منه وجلسوا عنده إلى أن أسقاهم مشروب السكر وانصرفوا‏.‏

ثم في آخر يوم الاثنين حادي عشرينه وجد السلطان في نفسه نشاطًا فقام وتمشى خطوات فتباشر الناس بعافيته‏.‏

كل هذا وهو مستمر في أول النهار وفي آخره يعلم على المناشير والمراسيم لكن بحسب الحال تارة كثيرًا وتارة قليلًا‏.‏

فلما كان يوم الجمعة خامس عشرينه لم يحضر السلطان فيه الصلاة أيضًا لثقله في المرض ودخلوا إليه الأمراء بعد صلاة الجمعة وجلسوا عنده وفعل معهم كفعله في الجمعة الماضية‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول يوم الخميس والسلطان ملازم للفراش والناس في أمر مريج من توقف الأحوال لا سيما أرباب الحوائج الواردون من الأقطار‏.‏

هذا وجميع نواب البلاد الشامية قد خرجوا من أعمالهم إلى البلاد الحلبية لقتال شاه سوار بن دلغادر ما خلا جكم نائب صفد ونائب غزة قد خرج أيضًا إلى جهة العقبة لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة فبهذا المقتضى خلا الجو للمفسدين وقطاع الطريق وغيرهم بالدرب الشامي والمصري ومع هذا فالفتن لم تزل قائمة بأسفل مصر الشرقية والغربية وأيضًا بأعلى مصر الصعيد الأدنى والأعلى وتزايد ذلك بطول مرض السلطان‏.‏

وبينما الناس في ذلك ورد الخبر من يشبك من مهدي الظاهري الكاشف بالصعيد أن يونس بن عمر الهواري خرج عن طاعة السلطان وقاتل يشبك المذكور وقتل من عسكره عدة كبيرة وانكسر يشبك منه بعد أن جرح في بدنه ثم أنهى يشبك أنه يريد ولاية سليمان بن الهواري عوضًا عن ابن عمه يونس وأنه يريد نجدة كبيرة من الديار المصرية‏.‏

فرسم السلطان في الحال بولاية سليمان بن عمر وتوجه إليه بالخلعة قجماس الظاهري ورسم السلطان بتعيين تجريدة إلى بلاد الصعيد‏.‏

فلما كان يوم السبت عين السلطان التجريدة المذكورة إلى بلاد الصعيد وعليها الأمير قرقماس الجلب الأشرفي أمير سلاح ويشبك من سلمان شاه الفقيه الدوادار الكبير ومن أمراء العشرات خمسة نفر‏:‏ قلمطاي الإسحاقي وأرغون شاه أستادار الصحبة ويشبك الإسحاقي وأيدكي ويشبك الأشقر والخمسة أشرفية وجماعة كبيرة من المماليك السلطانية أشرفية كبار وأشرفية صغار ونزل الأمير نقيب الجيش إلى المعينين وأمرهم على لسان السلطان بالسفر من يومهم إلى الصعيد فاعتذروا بعدم فراغ حوائجهم لكون الوقت يومًا واحدًا‏.‏

فلما كان آخر هذا النهار أرجف بموت السلطان فماجت الناس وكثر الهرج بشوارع القاهرة ولبس بعض المماليك آلة الحرب فاستمرت الحركة موجودة في الناس إلى قريب الصباح‏.‏

وأصبح في يوم الأحد رابع الأول و السلطان في قيد الحياة غير أنه انحط في المرض انحطاطًا يشعر العارف بموته ونودي في الحال بالأمان والبيع والشراء ودقت البشائر بعافية السلطان في باكر النهار وفي آخره أيامًا كثيرة وصار السلطان أمره إلى التلف وهم على ذلك‏.‏

فلما كان عصر نهار الأحد المذكور نزل الأمير تنبك المعلم الأشرفي الرأس نوبة الثاني إلى الأمير قرقماس أمير سلاح على لسان السلطان وأمره بالخروج إلى السفر من وقته بعد أن ذكر له كلامًا حسنًا من السلطان فخرج قرقماس من وقته وكذلك يشبك الفقيه الدوادار وتبعهما من بقي ممن عين إلى السفر ونزلوا إلى المراكب ووقفوا بساحل النيل ينتظرون من عين معهم من المماليك السلطانية فلم يأتهم أحد‏.‏

كل ذلك والسلطان صحيح الذهن والعقل يفهم الكلام ويحسن الرد وينفذ غالب الأمور ويولي ويعزل والناس لا تصدق ذلك وأنا اشاهده بالعين‏.‏

هذا والسلطان يستحث من ندب إلى الصعيد بالسفر في كل يوم‏.‏

وأصبح السلطان في يوم الاثنين على حاله وحضر عنده بعض أمراء وعلم على دون عشرة مناشير ومراسيم وهو في غاية من شدة المرض‏.‏

فلما نجزت العلامة استلقى على قفاه فرأيت وجهه كوجه الأموات‏.‏

وانفض الناس وخرجوا‏.‏

فلما كان بعد الظهر طلع إلى السلطان بعض أمراء الألوف والأعيان وسلم عليه فشكا إليه السلطان ما أشيع عنه من الموت ثم قال‏:‏ ‏"‏ أنا ما أموت حتى أموت خلائق وأنا أعرف من أشاع هذا عني ‏"‏ يعني بذلك الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار‏.‏

قلت‏:‏ قد عرفت الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار وأمرهما وما وقع في مرض السلطان من أوله إلى آخره في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ وليس ما نذكر هنا إلا علم خبر لا غير انتهى‏.‏

ثم طلع القاضي كاتب السر بعد ظهر يوم الأحد المذكور وأحضر آلة العلامة فلم يطق السلطان أن يعلم شيئًا وقيل‏:‏ إنه علم على أربعة مناشير وقيل غير ذلك وقيل إنه لم يطق الجلوس إلا بشدة‏.‏

هذا مع التجلد الذي لا مزيد عليه وكان هذا دأبه من أول مرضه إلى أن مات التجلد وعدم إظهار العجز ولله دره ما كان أجلده‏.‏

وبات السلطان في تلك الليلة على حاله والناس في أمره على أقوال كثيرة‏.‏

هذا وهو يستحث على سفر الأمراء المعينين إلى الصعيد والقصاد منه ترد إليهم وهم يعتذرون عن السفر بعدم حضور من عين معهم من المماليك السلطانية فيأمر بالمناداة بسفرهم فلم يخرج أحد‏.‏

فلما كان صبيحة يوم الثلاثاء سادسه طلع الأمير الكبير يلباي إلى السلطان ومعه خجداشه قاني بك المحمودي وجانبك كوهية والثلاثة أمراء ألوف مؤيدية‏.‏

فلما دخلوا على السلطان لم ينهض إليهم للجلوس بل استمر على جنبه لشدة مرضه وشكا إليهم ما به فتألموا لذلك ودعوا له‏.‏

ثم أمر السلطان وهو على تلك الحالة أن ينادى بسفر العسكر إلى الصعيد‏.‏

ثم خلع على يوسف بن فطيس أستادار السلطان بدمشق بمشيخة نابلس‏.‏

وخرج الناس من عند السلطان ولم يعلم شيئًا‏.‏

وهذا أول يوم منع السلطان فيه العلامة من يوم مرض إلى هذا اليوم‏.‏

وأصبح يوم الخميس ثامنه وقد اشتد به المرض ويئس الناس منه وكذلك يوم الجمعة ولكن عقله واع ولسانه طلق وكلامه كلام الأصحاء‏.‏

وأصبح يوم السبت عاشر شهر ربيع الأول وهو في السياق‏.‏

فلما كان ضحوة النهار المذكور حدثت أمور ذكرناها في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

واجتمع الأمراء الأكابر بمقعد الإسطبل السلطاني عند الأمير آخور الكبير والأمير آخور المذكور حس بلا معنى ليس له في المجلس إلا الحضور بالجثة وجلس الأتابك يلباي في صدر المجلس وبإزائه الأمير تمربغا أمير مجلس وهو متكلم القوم ولم يحضر قرقماس أمير سلاح لإقامته بساحل النيل كما تقدم‏.‏

وحضر جماعة من أمراء الألوف وكبير الظاهرية الخشقدمية يوم ذاك خيربك الدوادار الثاني وأخذوا في الكلام إلى أن وقع الاتفاق بينهم على سلطنة الأتابك يلباي ورضي به عظيم الأمراء الظاهرية الكبار الأمير تمربغا أمير مجلس وكبير الظاهرية الصغار الخشقدمية خيربك الدوادار وجميع من حضر وكان رضاء الظاهرية الكبار بسلطنة يلباي بخلاف الظن وكذلك الظاهرية الصغار‏.‏

ثم تكلم بعضهم بأن القوم يريدون من الأمير الكبير أن يحلف لهم بما يطمئن به قلوبهم وخواطرهم فتناول المصحف الشريف بيده وحلف لهم يمينًا بما أرادوه ثم حلف الأمير تمربغا أمير مجلس وشرح اليمين وكيفيته معروفة فإنه يمين لتمشية الحال‏.‏

وأرادوا خيربك أن يحلف فقال ما معناه‏:‏ ‏"‏ نحن نخشاكم فحلفناكم فنحن نحلف على ماذا ‏"‏‏.‏

ثم انفض المجلس ونزل الأتابك يلباي إلى داره وبين يديه وجوه الأمراء‏.‏

ولم يحضر الأمير قايتباي الظاهري معهم عند الاتفاق واكتفى عن الحضور بكبيرهم الأمير تمربغا الظاهري كل ذلك قبل الظهر بيسير‏.‏

فلم يكن بعد أذان الظهر إلا بنحو ساعة رمل لا غير ومات السلطان بقاعة البيسرية بعد أذان الظهر بدرجات‏.‏

وفي حال وفاته طلعت جميع الأمراء إلى القلعة وأخذوا في تجهيز السلطان الملك الظاهر خشقدم رحمه الله تعالى وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بباب القلة من قلعة الجبل كل ذلك قبل أن تبايع العساكر يلباي المذكور بالسلطنة كما سنذكره في سلطنة الأتابك يلباي‏.‏

وهذا الذي وقع من تجهيز السلطان وإخراجه قبل أن يتسلطن سلطان بخلاف العادة فإن العادة جرت أنه لا يجهز سلطان إلا بعد أن يتسلطن سلطان غيره ثم يأخذون بعد ذلك في تجهيزه انتهى‏.‏

ولما صلي عليه بباب القلة وحمل نعشه وعلى نعشه مرقعة الفقراء ساروا به إلى أن أنزلوه من باب المدرج ولم يكن معه كثير خلق بل جميع من كان معه أمام نعشه وحوله وخلفه من الأمراء والخاصكية دون العشرين نفرًا والأكثر منهم أجناد فإنه لم ينزل معه أحد من أمراء الألوف كما هي العادة ولا أحد من المباشرين غير الأمير شرف الدين بن كاتب غريب الأستادار وجماعة من أمراء الطبلخانات والعشرات‏.‏

وساروا به وقد ازدحمت الناس والعوام حول نعشه إلى أن أوصلوه إلى تربته ومدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر ودفن بالقبة التي بالمدرسة المذكورة وحضرت أنا دفنه رحمه الله تعالى‏.‏

ولم تتأسف الناس عليه يوم موته ذاك التأسف العظيم لكن تأسفوا عليه بعد ذلك تأسفًا عظيمًا لما تسلطن بعده الأتابك يلباي بل عظم فقده عند سلطنة يلباي على الناس قاطبة‏.‏

ومات الملك الظاهر خشقدم رحمه الله تعالى وسنه نحو خمس وستين سنة تخمينًا هكذا أملى علي من لفظه بعد سلطنته‏.‏

وكان الملك الظاهر رحمه الله تعالى سلطانًا جليلًا عظيمًا عاقلًا مهابًا عارفًا صبورًا مدبرًا سيوسًا حشمًا متجملًا في ملبسه ومركبه وشأنه إلى الغاية بحيث إنه كان لا يعجبه من البعلبكي الأبيض إلا ما تزيد قيمته على ثلاثين دينارًا فما بالك بالصوف والسمور وغير ذلك‏.‏

وكان يقتني من كل شيء أحسنه وكان مع هذا التأنق لائقًا في شكله وملبسه ومركبه نشأ على ذلك عمره كله أعرفه جنديًا إلى أن صار سلطانًا وهو متجمل في ملبسه على ما حكيناه‏.‏

وكان مليح الشكل للطول أقرب أعني معتدل القامة نحيف البدن أبيض اللون تعلوه صفرة ذهبية حسنة كبير اللحية تضرب إلى شقرة قد شاب أكثرها حسن فيها وكان رشيق الحركات خليقًا للملك عارفًا بأنواع الملاعيب كالرمح والكرة وسوق المحمل له عمر كبير في ذلك أيام شبوبيته وله مشاركة في غير ذلك من أنواع الملاعيب جيدة‏.‏

وكان له إلمام ببعض القراءات ويبحث مع الفقهاء وله فهم وفوق بحسب الحال‏.‏

وكان كثير الأدب ويجل العلماء ويقوم لغالبهم إن قدم أحد منهم عليه مع حشمة كانت فيه وأدب في كلامه ولفظه‏.‏

وكان يتكلم باللغة العربية كلامًا يقارب الفصاحة على عجمة كانت في لسانه قليلة وذلك بالنسبة إلى أبناء جنسه‏.‏

وكان يميل إلى جمع المال ويشره في ذلك من أي وجه كان جمعه وله في ذلك أعذار كثيرة مقبولة وغير مقبولة‏.‏

وعظم في أواخر عمره من سلطنته وضخم وكبرت هيئته في قلوب عساكره ورعيته لبطن صار فيه وإقدام على المهولات مع دربة ومعرفة فيما يفعله فإن كان المسيء ممن يتلافى أمره زجره ولقنه حجته بدربة ولباقة وإن كان ممن لا يخاف عاقبته قاصصه بما يردع به أمثاله من الضرب المبرح والنفي وعد ذلك من معايبه‏.‏

يقول من قال‏:‏ ‏"‏ القوة على الضعيف ضعف في القوة ‏"‏‏.‏

ومن ذلك أيضًا أنه كان في الغالب يقدم على ما يفعله من غير مشورة ولا تأن ولهذا كانت أموره تنتقض في بعض الأحيان بل في كثير من الأحيان‏.‏

ومما كان يعاب به عليه إمساكه وتشويش المماليك الذين كان اشتراهم في سلطنته الأجلاب مع أنه رحمه الله تعالى كان كثيرًا ما ينهاهم عن أفعالهم القبيحة ويردع بعضهم بالحبس والضرب والنفي وأنواع النكال وهذا بخلاف من كان قبله من الملوك‏.‏

وكان له عذر مقبول في إنشائه هذه المماليك الأجلاب لا ينبغي لي ذكره يعرفه الحاذق‏.‏

ومن كل وجه فالمال محبوب على كل حال‏.‏

وبالجملة إنه كانت محاسنه أضعاف مساوئه وأيامه غرر أيام لولا ما شان سؤدده وممالكه ولله در القائل‏:‏ الطويل ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء فخرًا أن تعد معايبه وعلى كل وجه هو من عظماء الملوك وأجلائهم وأخفهم وطأة مع شدة كانت فيه ولين وتكبر واتضاع وبخل وكرم فمن أصابه شره يلجأ لله ويجعل أجره على الله تعالى ومن أمطره خيره ورفده فليترحم عليه وأنا ممن هو بين النوعين لم يطرقني شره ولا أمطرني خيره غير أنه كان معظمًا لي وكلامي عنده مقبول وحوائجي عنده مقضية وما قلته فيه فهو على الإنصاف إن شاء الله تعالى وبعد كل شيء فرحمه الله تعالى وعفا عنه‏.‏

وكانت مدة سلطنته على مصر ست سنين وخمسة أشهر واثنين وعشرين يومًا بيوم سلطنته انتهى‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الظاهر خشقدم وهي سنة خمس وستين وثمانمائة على أن السنة المذكورة حكم فيها ثلاثة ملوك‏:‏ حكم الأشرف إينال من أولها إلى أن خلع نفسه وولي والده الملك المؤيد أحمد في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة ومات من الغد في يوم الخميس وحكم ولده الملك المؤيد أحمد من رابع عشر جمادى الآخرة إلى يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان‏.‏

ثم حكم في باقي السنة الملك الظاهر خشقدم إلى آخرها‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاش حاجب الحجاب بجزيرة قبرس في الغزاة من غير جراح بل مرض نحو عشرة أيام ومات في أول المحرم‏.‏

وقد عرفنا أحواله في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ‏"‏ وأيضًا في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ‏"‏ بما فيه كفاية عن ذكره ثانيًا هنا‏.‏

ومات وقد زاد سنه على الستين وكان مخلطًا في أموره يقبل المدح والذم‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النوروزي أحد أمراء الطبلخانات ونائب الإسكندرية بها في يوم السبت مستهل صفر وقد ناهز الثمانين من العمر‏.‏

وكان من مماليك الأمير نوروز الحافظي المتغلب على دمشق وولي أيام أستاذه نيابة بعلبك ولهذا كان يعرف بنائب بعلبك‏.‏

وكان من خيار أبناء جنسه‏.‏

كان شجاعًا مقدامًا كريمًا متواضعًا دينًا خيرًا قل أن ترى العيون مثله‏.‏

وتوفي الشيخ الصالح الزاهد العابد المعتقد عمر بن أبي بكر بن أحمد اليمني نزيل مكة في سحر ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول بمكة ودفن بمقابر باب شبيكة‏.‏

وكان فردًا في كثرة العبادة والزهد وقد سألت عنه بمكة من صاحبنا القدوة أحمد الفوي أعاد الله علينا من بركاته فقال‏:‏ ‏"‏ هذا يشبه بعباد بني إسرائيل ‏"‏‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة أبو الفضل محمد بن محمد بن أبي القاسم المشدالي البجائي المغربي المالكي غريبًا ببعض أعمال حلب وهو في الكهولية‏.‏

وكان إمامًا في المعقول والمنقول وشهرته القوية بالأول‏.‏

كان إمامًا في النحو والمنطق وعلم المعاني والبيان والأصلين والطب والحكمة وعلوم الأوائل‏.‏

وكان إذا حقق مسألة فقهية كان إلى كلامه المنتهى‏.‏

وبالجملة إنه كان نادرة من النوادر رحمه الله‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم الفقيه عز الدين محمد بن محمد بن عبد السلام أحد نواب الشافعية في ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر وكان آخر من حضر دروس الشيخ سراج الدين عمر البلقيني رحمه الله تعالى‏.‏